لَسْتُ مَسْجُونَاً.. وَلَا حُرَّاً…!!

الوِلَادَة

 

مذ ولدت.. كان بصري صحيح وكانت الرؤية بدرجة كاملة.. لكن ومنذ  ولادتي كانت البصيرة متخبطة وكانت ممزوجة بالخيال كأي طفل لكن كان خيالي يشوبه بعض الرعود التي بمجرد شوبها بالصورة التي أراها تختلف الرؤية.. بعدها بعدة ثواني يعصف الرعد والبرق ويغير الصورة التي أمام خيالي.. ومع لحظات الحياة التي أعيشها كانت تقل الثواني بين صعقة الرعد والصعقة الأخرى, ومع الوقت بدأ يشوب ذلك الرعد الأمطار وشيئاً فشيئا لتلك اللحظات كان يزداد كل مرة طقوس أخرى تزيد الصورة ظلاماً أقمت وأحياناً غبار.. أو عواصف تحمل التلوث.. وأحيانا ورقات الشجر.. وأحياناً الورود, إلى أن وصلت العواصف في حملها لحمل كل ما كنت أراه يثري الحياة بصفاء.. ونقاء.. وحقيقة.. وجمال.. وخِفَّة,

 

 

البِدَايَةُ وَمَا بَعْدَهَا

 

كانت تزداد شوائب خيالي إلى أن أصبح خيالي عبارة عن صورة سوداء قاتمة السواد منذ نعومة أظافري, في البداية كنت شخصين.. شخص يعيش الواقع بكل ما يحمل وشخص يعيش الخيال الذي أريده.. أطمح له.. أتمناه.. لكن كانت الصورة تندمج شيئاً فشيئاً إلى أن أصبحت شخص واحد يعيش الواقع بخرافة.. كنت أعيش بصورة عكسيَّة.. فأرى حقيقة الواقع الكاذبة.. وأعيش مصداقية الخيال الذي ليس هو إلا كذبة, إضطررت مقهوراً أن أعيش الكذبة المشؤومة..

 

الكِذْبَة

 

سوف أخبرك ماهي الكذبة.. ليتها كانت واحدة فقط.. لقد كانت واحدة لكنها شاملة.. كانوا يخبروني ويعلموني بأن الترابط يجب أن يدوم لآخر قطرة دماء.. وكانوا هم أول من تشتت أمامي وكنت طفل ليس لإعتراضه معنى.. علموني أن المدرسة بيتي الثاني وكان بيتي الثاني مقر تعذيب حيث أن أساليب الضرب تُمارس بإحتراف.. علموني بأني سأتعلم من المدرسة.. ولم أتعلم سوى أن أبقى بعيداً عن كل من يحاول تعليمي بمراجع أساسية ومعتمدة, علموني كل الواجبات التي عليَّ أن ألتزم بها وأن أسير على طريق هو طريق الحق والصواب والحلال والمفروض والإحترام والأدب.. وكل ما كنت أعيشه هو عكس كل ذلك.. فالعائلة كانت منقسمة في مدينتين.. وعائلتين أتعلم من أخطائهم في الصغر أن ذلك من المفترض أن لا يكون لكنه كان.. علموني أن عليَّ أن أمسك الكتاب ليكون لي مستقبل باهر.. وكنت أمسك الكتب إجباراً بعلو الصوت.. وأتظاهر بأني أقرأ وأحفظ لتعلو مكانتي وأتحاشى العقوبات لكني كنت فور ما يتم إختباري أنسى كل معلومة لأنها تحفظ معها ذكريات قاسية.. علموني أن المعلم هو أبي الثاني لكن لم يذكروا لي أنه أقسى من أبي الأول.. وأن زميلي في المدرسة هو صديقي الذي سيكون أول عدو لي.. وأن الحب هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن بها حل المشاكل لكن لم يعلموني بأنها مجرد هرطقة تنتهي أحياناً قبل بدأها,

 

الحُبْ

 

كان ذلك الأمر هو الخيار الوحيد أمامي لأبتعد عن الحياة البائسة.. للأسف أحببت.. وللأسف محبتي كان وقت إنتهائها فترة إختباراتي المدرسيَّة الأخيرة التي سأتخرج بعدها من طريق دام ثلاثة عشر سنة بحكم حياتي المعقدة, كنت قد تفكرت كثيراً قبل أن أسلك ذلك المسار الوخيم.. كنت على عهد أن أرتبط رسميَّا بمن تعرفت عليها بعد تخرجي.. لكن قبل أن أتخرج وفي مرحلة إنهاء المسيرة الدراسية أذاعت لي من إرتبطت بها إرتباط مؤقت لحين تخرجي بأنها لا تريد إكمال علاقتنا.. لم تذكر سبب وجيه.. لكنها تريد ذلك.. برغم أنني وقبل أن أبدأ معها السير قلت لها بأن جسدي حساس ولا يحتمل الكثير.. وأنهت تاريخنا بكل بساطة وفي لحظات حرجة في حياتي حيث أني جراء ذلك الإنفصال أصبت بالمرض الذي كنت خائفاً أن أُصاب به.. لأنه مرض موجود منذ مئات السنين ومجهولة أسبابه وليس له علاج..

 

المَوْتْ

 

إنه أمر جداً طبيعي ذكره فلا تستغرب.. أو ربما بالنسبة لي طبيعي لأني أفكر به منذ صِغري.. لم أكن أعرف ما هو.. لكن كنت أركض خلفه ودائماً أبحث عنه وأحاول التقرب إليه.. في عمر السادس عشر من عمري أو السابع عشر كانت أول محاولة إنتحار لي, لم أمت حينها لكن إزداد شوقي لأن أعيشه فأنا على يقين بأنه حياة أرحم من حياتي مهما كانت وكيفما كانت, منذ ذلك الوقت بدأت أركض ركض الوحوش لدليل يبرئ تلك الجريمة من تحريمها في الدين الذي أعتنقه.. وبقيت لسنوات أعيش ضارباً رأي كل من يعارضني عرض الحائط لأن الإجابة الأكثر منطقية بالنسبة لي هي أن المنتحر مصيره يقف على مشيئة الله.. وبلا شك كنت أبرر لنفسي أن الله مُطلق العدل سيرحمني لأنني أريد الخلاص مذ وعيت على الحياة.. مع السنين بدأت رغبة الخلاص تقل.. وجاءت مكانها فكرت أنني أريد الموت بأي طريقة والله يعرف بأني لا أريد النار.. ولا حتى الجنة.. أريد العودة للمكان الذي أوجدني منه.. وبقيت أعيش متكئاً على تلك الفكرة عدة سنوات.. أعيش وهدفي أن أعود للعدم.. كنت أفكر أن يا رب أريد العودة للعدم فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابة المقدس: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا) كنت أخاطب الله دائماً أن يا الله أريد العودة للعدم حيث لم أكن شيئاً مذكورا.. وبقيت على تلك الفكرة عدة سنوات في كل صلواتي أدعوا بها آملاً أن يرحمني الله ويأخذني إلى هناك ويخلصني من الحياة.. في صلواتي كنت أحدث الله قائلاً أما تريد من خلقك عبادتك.. ها أنا أعبدك وأسألك وأرجوك وأتوسل إليك أن تعيدني للعدم.. بعد عدة سنوات.. قرأت كتاباً كدت أن أُجن بسببه.. فيقول كاتبه أن العدم هو حيز موجود وبما أننا أطلقنا عليه وصف فهو موجود.. وبما أننا قلنا "عدم" إذاً هو موجود فنحن نطلق عليه إسم لوصفه وذلك يدل على وجوده وإلا ما كان له وجود لو لم نطلق عليه لقب ونصفه به..

 

أَنَا

 

أنا أعرف من أنا بالتأكيد.. ولا أعرفها.. رحمني الله بأن وهبني قرابة ستة عشر عام عشتها وتعلمت فيها بنفسي كل شيء.. نصف آخر عشته ولا زلت أعيشه أجهل كل شيء.. أحاول أن أتعايش مع نفسي في الحياة بما أعرف وما لا أعرفه أحاول تذكره.. ولله الحمد والشكر تصيب معي أحياناً كثيرة لكن في أحياناً أخرى لا تلمني لأني لا أتذكر شيء.. أسأل الله أن يرحمني ويقدم لي الحياة مرة أخرى لأبقى وأعبده كما يريد ولكي يحقق لي ما أريد.. أنا لا أريد الحياة ولا الموت.. ولا البقاء للأبد ولا العدم.. النور ولا الظلام.. أريد فقط لقاء الله.. وبعد اللقاء أريد العودة إلى اللا شيء.. أو ربما الفناء إن صح التعبير.. الله يقول: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).. أنا صابر والله يعلم ذلك والأجر الذي أسأله الله وأتمناه هو كما قال لا حساب ولا أريد الجزاء إنما أريد الفناء قطعيَّاً حيث لا أكون في الوجود ولا كرملة أو ذرة…!!

 

LIBS

أَوَآنُ..الآنْ...!!

اترك تعليقاً