مسرحية المخبز

مَسْرَحِيَّةُ المَخْبَزْ

 

 

في الخمسون سنة الأخيرة من عمر الحياة حدثت هذه القصه في جزيرة غير محدد مكانها على خريطة العالم, لقد كانت فقيرة وليس بها أي ثروة لذلك لم يعترف بها أحد أو يرجو من إحتوائها أي نماء.. كانت جزيرة تفتقر لكل عوامل الحياة غير الطبيعية وبعض العوامل الطبيعية, كانت جزيرة غير صالحة للحياة ومع ذلك يأتيها زائر كل فترة من كل بقاع الأرض محاولاً إخراج هذه الجزيرة من الحقل غير المعترف به, ولد شاب فيها إسمه ليد.. وكان ليد منذ ولادته يحب الخبز.. ويحلم ببناء مخبز يخدم تلك الجزيرة بخبزه المصنوع بالطريقة الأساسية الصحيحة حيث لا يمكن تذوقه دون أن يسحر المتذوق بجودته وبعض الزوار كانوا يعودون لتلك الجزيرة قاصدين ذلك المخبز فقط, كبر ليد ووصل لمرحلة وجوب الإعتماد على نفسه وتوفير كل إحتياجاته لكي يبقى على قيد الحياة حسب ثقافة تلك الجزيرة.. وقام بالفعل ببناء ذلك المخبز.. ونجح في صنع الخبز لذيذ المذاق غير المتوفر في أي مكان في العالم.. وبرغم أن عملة تلك الجزيرة كانت أي شئ صالح ويمكن الإستفادة منه وإستخدامه إلا أن زبائن ليد كانوا دائماً في إقبال على مخبز ليد وكأنه لا يوجد طعام في تلك الجزيرة إلا في مخبز ليد, كبر ليد وأصبح عجوزاً طاعن في السن.. على مدى السنوات كانت تضعف صحته أكثر فأكثر ويفقد شئ منها كل سنة إلى أن وهن العظم منه وإشتعل رأسه شيباً ووصل لمرحلة لا يمكنه تحمل ثقل الحياة بعد.

 

 

قرر ليد أن يقوم بتوظيف أحداً يشغل مكانه ويكون تحت إشرافه لكي يضمن إحتفاظ الخبز بجودته التي سيترك طريقت صنع الخبز بها سراً يتوارثه موظفون حازوا على ثقة ليد ليكملوا مسيرة الصنعة, بقي ليد يفكر ليس كثيراً لأنه منذ صغره خاضع لأيدلوجيته التي تشمل كل جوانب الحياة عدا الأمور الميتافيزيقية أو  الأمور الغيبية التي علمها عند الله فقط, وخطرت على باله فكرة هي أشبه بالحَجرة التي تصيب عصفورين.. وكان العصفور الأول أن يضمن إستمرارية صَنعته ويضمن أنه سيُورِّث خبرته لمن يتحلى بكفائه يطمإن لها ليد.. أما العصفور الثاني كاد أن يبقى طائراً لا أثر لتتبعه من كثرة التفكير للوصول إليه.. هو الزواج لأنه أعزب منذ أزله, ومنذ أزله وهو يبحث عن العنصر النقيض لكيانه لكي يستقر من كل جوانبه الإنسانية.. لكنه توقف عن التفكير في البحث عن العنصر النقيض له لكي تكتمل المعادلة.. لقد كان عدد سكان تلك الجزيره ليس وفيراً فليس هناك فرصة كبيرة في أن يجد ذلك العنصر المفقود والذي به تكتمل المعادلة.

 

 

فبدأ بإرسال ونشر إعلانه المبين فيه كل الطلبات الواجب توفرها في من يريد الإلتحاق بالوظيفة.. وقام بنشر الإعلان في أنحاء تلك الجزيرة.. ومع كل زائر يأتي للجزيرة لنشرها في بلده عندما يعود, توظف ناس على قدر إختلاف مهنتهم وعلى قدر إختلاف بلدان العالم وإختلاف ثقافاتهم.. كانت الوظيفة أول شروطها أن يكون المتقدم لها أنثى.. وتوظفت الطبيبة.. والمدرسة.. والنجارة.. والنحاتة.. والطباخة.. وإلى ما هنالك من مهن في الحياة وعلى قدر تميز الكثير وإمتلاك الكثير منهم على شهادات تميز بل وبعضهم على شهادات براءة إختراع في المجال المتخصص فيه إلا أن أحداً لم يكمل الفترة المطلوب تحقيقها ليحظى بالوظيفة ويتمكن من معرفة السر وراء صنع ذلك الخبز ليعود إلا موطنه ومعه سر يمكن إكمال حياته به بإستثمار ذلك السر في بلاده.. لكن لم ينجح أحد في تحقيق مطالب ليد برغم أن المتقدمين كانوا يأتون من كل مكان.. من الهند والصين ومن مشارق الأرض ومغاربها وشمالها وجنوبها ومن كل بقاع كوكب الكرة الأرضية.

 

 

بعد إثنان وعشرون عام بدء ليد يشعر بالملل وبدأ يفقد بصيص الأمل المتبقي في أن يجد من يستحق معرفة السر ويحل محل ليد ويكون القائد لتلك الصنعة التي من سيورثها سيكون قد ضمن إستقرار حياته بالثروة التي سيجنيها من ذلك المخبز وسره, بعد أن فقد الأمل تماما ليد وبدء يشعر بالخسارة السحيقة وبدأ يموت حماسه وأمله في أن يتواجد أحداً يملك المؤهل ليشغل تلك الوظيفة السهله, لكن في السنة الثالثة والعشرون بعد أن بدأ ليد بالتفكير في أي طريقة ذكية يفشي بها سر ذلك الخبز وطريقة يضمن بها أن بوحة سيصل لكل إنسان على وجه الأرض, في ظل تلك الظروف القاهرة جائت موظفة جمالها وذكائها جعلا ليد ينبهر ويغض بصره عن أي جوانب أخرى فهي تنطبق عليها كل متطلبات ليد من الرقم واحد وإلى رقم لا محدود حيث أنه يزداد رقماً مع كل جزء من الثانية تمضي.. تريث ليد ليتأكد من أنه وجد الشخص المناسب لتلك المكانة.. في البداية كانت الموظة تمتلك مواصفات لم يعرف مثلها من قبل غير أنها كانت حليمة على كل المصاعب السهلة لتلك الوظيفة, لقد كان إسم الموظفة "حلم".. وثق ليد بها وأعطاها ما لا تتوقعه ليتأكد أكثر من أنها أخيراً جائت بعد إنتظار دام طويلاً بل لم ينتظر ليد كمثله إنتظار, بعد أن قرر ليد أن يهب السر لحلم وينهي مسيرة الإنتظار.. بدأ ليد يلاحظ على حلم بداية تململ.. فبدأ التمرد.. وبدأت حلم تقترح إقتراحات ترجعها كل مرة خطوة إلى الوراء.. بدأ ليد يفقد ثقته بها شيئاً فشيئا.. إقتراحاتها كانت قاتلة بالنسبة لليد حيث كانت كلها تندرج تحت تصنيف جرب لن تخسر شيئاً.. إزداد إستياء ليد من تصرفات حلم التي كانت بعد سنوات بها شئ من التمرد وكأنها كسبت ثقة ليد وأخذتها العزة بالإثم ولم يعد إهتمامها إلا أن تنهي القضية بلا مبالاة.. فكانت تحاول أن يستلم الوظيفة أي موظف يتقدم لشغل تلك الوظيفة.. وحجتها أن ليد يثق بها وتطالب بتنفيذ أفكارها العقيمة بالنسبة لليد ودائما تكرر مقولتها "ألست الموظفة التي تثق بها ؟ وطال إنتظارك لتجدها", جرب أن تقوم بتوظيف أي موظف يتقدم.. جرب أن توظف الطبيب أو بائع الورد أو أي من يتقدم للوظيفة.

 

أخيراً.. تأكد ليد وأثبتت حلم بأن أحداً لن يكون كما يتمنى ويطمح ليد ليشغل تلك المكانه.. وبرغم أن متطلبات تلك الوظيفة تافهة وليست سهلة فقط إلى أن حلم كانت تكرر على مسامع ليد بأن ليس هناك أحداً كامل.. فنحن بشر.. ولن تجد الموظفة التي تبحث عنها لطالما كان بحثك بهذه الطريقة التي تعتقد بأنك ستجد بها الإنسانة المثالية.. تعلم ليد من حلم أن الإطار الفكري الذي ينظر من خلاله على الناس يجب أن يكون مكتملاً وإلا سيفوته الكثير.. وأن مهما كان إطارك الفكري واسع فإن هناك جوانب لن تراها إلا من خلال إطارات أخرى, قبل أن يغلق ليد مخبزه سأل حلم سؤال أخير أن لماذا لم تكملي إثبات إرادتك !؟ وبعد أن أجابته بأن طلباته صعبه تم إغلاق المخبز والتنازل عن كلما فيه لأي متقدم يريده ودون مقابل دون حتى أن يعرف ليد أي مؤهل يمتلكه ذلك الذي يريد إمتلاكه عدى السر الذي مات مع ليد ولم يعلم أحد شئ عنه.

 

 

أُسدِلت الستائر.. وإنتهت مسرحية المخبز.

LIBS

أَوَآنُ..الآنْ...!!

اترك تعليقاً