الفصل السادس
اليوم الخامس
لقد تبرمج عقلي على أني سأبقى في المشفى خمسة أيام فقط.. فلما جائت أمي كنت أريد العودة للسكن بأسرع طريقة.. قالت لي لم تنتهي فترة علاجك بعد وتبقى عليها يومين.. أي جميعها سبعة أيام.. جن جنوني عندما قالت ذلك.. فلست أجد راحتي في أي شئ أقوم به.. حاولت إقناعها بأني طبت ولم أعد بحاجه للعلاج.. بائت المحاولة بالفشل, لكن أخبرت الطبيب أن يقوم بزيارتي.. وعندما حاء سألني لماذا تريد العودة !؟ أخبرته بصريح العبارة بأنني لست مرتاحاً هنا فوافق أن أذهب للسكن ثلاثة أو أربعة ساعات وأعود لأكمل الخطة العلاجيَّة, أتذكر أنني حينها كل ما كنت أنوي القيام به هو:
فكرت فعلاً بالقيام بذلك.. لكن عندما تريثت وفكرت بهدوء بالطبع لم أفعل, لست أملك حتى جزء بسيط من الطاقة التي أحتاجها للقيام بذلك.. فكرت بهدوء أكثر.. نعم سأجد حرية أكبر في السكن.. لكن سأفقد كل ما أنا عليه الآن.
في ذلك اليوم جائتني دكتورة العلاج الطبيعي الدكتورة لميا التونسيَّة خريجة المعهد العربي للعلامة الصحيَّة في تونس قسم Fisioterapista.. كنا دائما نحكي لبعض قصص طريفة, وتحدثنا عن الشعب التونسي.. ولما سألتها عن إهتماماتها لم تكن تمد للجانب الأدبي بصلة وعندما سألتها عن حياتها والأدب فأجابت بأن زوجها الممرض بلقاسم الذي كنت أراجعه في قسم الطوارئ لأخذ إبرة علاج من مرضي المزمن.. أنه هو من يهتم بالأمور الأدبيَّة التي لا تفقه لميا شئ منها.. فقلت لها لما لا تشاركيه الإهتمام وتخصصي وقتاً من حياتك لمشاركته الأدبيات.. فأضحكتني بإجابتها التي إختصرتها بعبارة "عندما يشاركني هو تربية الأبناء والطبخ لهم سأفكر أن أشاركه حينها وأخصص وقتاً له".
سبق وأن أخبرت الدكتورة لميا أنني لو أردت أن أسير على أقدامي أستطيع.. ويبدو أن جرعة الأفكار تلك هي من مدني بماقمت به حينها.. بحضور الممرضين والأطباء وموظفة العلاقات العامة إستطعت أن أقطع قرابة الثلاثون خطوة بمساعدة حديدتين أتكئ عليها.. وكنت قرابة السنتين لا أسير على قدمي, كنت أستطيع لكن بصعوبة بالغة.. لكن لم أكن أريد من الأصل مزيداً من ضغوط الحياة التي قتلتني.. قتلت الإنسان فيني !!