You are currently viewing رواية شئ% – الفصل الثاني

رواية شئ% – الفصل الثاني

الفصل الثاني

سبعة أيام

 

 

سبعة أيام قضيتها في المشفى ومرت عليّ كسبعة قرون.. لقد تعرفت على أصدقاء.. لقد كانوا أُنسي, لحظاتي معهم جداً ثمينة.. لقد أصبحت منهم وهم منّي.. إهتمامهم بي كان كعناية أم بإبنها, كانوا لي حقاً يستحقون كلمة أصدقاء.. حتى أنني أتذكر أسمائهم جيداً فكانت لهم بصمة لها الأولوية في أن أعيرها ذاكرتي, بل المشفى بشكل كامل كان إهتمامه بحالتي أكثر من مُرضي..

 

 

اليوم الأول:

 

لم أكن بوعيي.. كنت مغيباً عن الوعي جزئياً, فقد إستخرجوا من جسدي ما يقارب 20.000 ملجم من الباراسيتامول و2600 ملجم من الكافيين, لقد تم إسعافي في اللحظات الأخيرة ولله الحمد بفضل الله ثم حبيبتي التي سعيت أن تكون كلماتي الأخيرة لها وحدها, لقد كانت تعلم ما أنوي القيام به.. حتى أن آخر حديث دار بيننا كان عبر أجهزة الـBlackBerry الذي أحمل إصداراته من بعد ظهوره بفترة قصيرة.. وطوال فترة حملي له كنت أنتظر أن يكون لي حبيبة ونتحدث سوياً عبره, تحقق مرادي ولكن بعد أن حدث الكثير على كوكب كياني.. كانت الكلمات الأخيرة بيني وبين حبيبتي بعد أن تناولت قرابة الأربعين قرص:

 

أنا: حبيبتي.. لقد تناولت الحبوب.. ولكن أريد أن أطلب منكِ طلب أخير…

 

تناولت الحبوب بالفعل.. وأنتظر ردَّا.. إنتظرت دقائق وتركت الهاتف جانباً وإستلقيت على السرير أحمد الله أن ليس هناك آلام تقودني لفعل شاذ أو هلوسة أو الرؤية دون غظاء, يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم } فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد {.. والدليل يتضح مع كل شخص روحه مقبلة على الخروج وجائه ملك الموت نراه ونسمعه يتحدث عن أمور أبعادها لا تراها العين المجرَّدة.. فكنت أحدث نفسي قائلاً "ربي لك الحمد والشكر على سهولة النهاية وبساطتها".. لأن شيئاً من ذلك لم أره.

ولست أتذكر متى حدث ذلك ولكنه حدث.. وكان لأول مرة أفصح عن أمر ليس الجميع على دراية به, ولكن حدث ذلك:

 

 

حبيبتي: كيف ستنتحر ؟

أنا: أربعون حبَّة

جبيبتي: مخدرات !؟

أنا: لا.. "Panadol"

حبيبتي: غسيل معدة

أنا: سمعت أحد الأطباء النفسيين يقولها: عشر حبات إغماء وغسيل معدة وثلاثين حبة إنتحار. وأنا سأتناول أربعون حبَّة.

حبيبتي لا تجيب…!!

 

 

لقد تناولت الحبوب وكنت أريد أن أطلب من حبيبتي طلب أخير وأتمنى أن تنفذة بمطلق العاطفة.. لكن لم تجب عليَّ حين قلت لها أريد أن أطلب منكِ طلب أخير, فودعتها وبعد دقائق تجاهلت الأمر.. وتغطيت باللحاف وأغمضت عيني, بعد دقائق وبعد أن بدأت أنام.. أسمع طرقات قويَّة لباب غرفتي.. كانت أمي وكانت معها أختي.. فتحت عيني رغماً عني وكالعادة تغيظني الطرقات القويَّة.. فأجبت بـ"نعم" فقالت لي أمي إفتح الباب بسرعة.. فقلت حسناً.. يبدو أن حينها المفعول الكيميائي بدأ يعكس مفعوله.. فكنت شبه مغيّب عن الوعي.. كان جسمي ثقيل ورؤيتي تمزج كل ما أمامي ببعض.. لقد كان جسدي ثقيل بالفعل حتى أن أمي طرقت مرة أخرى لأنني تأخرت.. إنتقالي من السرير للكرسي الكهربائي كان أبطأ من العادة.. ولكن قمت عن مرقدي وجلست على الكرسي الكهربائي وفتحت الباب.. كانت تقف أمامه أمي وأختي.. قالت أمي تعال وبدأ كلاهما يسيران بإتجاه الصالة.. حتى وصلنا ورأيت أخواني يجلسون وقالت أمي لقد دعوتكم كلكم جميعاً لنعرف ماذا يريد كلٌّ منكم مني وكيف يرضيه أن أكون معه.. فقدت السيطرة تماماً وصرخت وأنا أبكي قائلاً: "ماذا تريدين منّي ؟ لديكي ثلاثة وهاهم أمامك ماذا تريدين مني !؟, فقالت أختي بصوت عالٍ وهي تبكي: ليس أحداً منا مرتاح في عيشته ويعيش كما يريد.. فقالت أمي هذا يعني أن ذلك صحيح !! هل تناولت جرعة زائدة من الدواء !!! فقلت وأنا منهار: نعم لقد تناولت أريد أن أرتاح منكم وأريحكم مني, علمت بأن حبيبتي من قام بإبلاغهم.. لكن لا أعلم كيف حدث ذلك.. فلم أعطيها يوماً أي بيانات إتصال لأحد من أهلي.

وقبل أن تحدث المقدمة لا أتذكر إلا أنني كنت أقول لأخي إتصل بحبيبتي وطمئنها بأنني على خير ما يرام وأن يقول لها أن تذاكر دروسها.. لأنني أتذكر أنها أخبرتني بأن فترت إختباراتها بدأت أو ستبدأ.

 

 بعد أن إستطاع الأطباء إنقاذي ونقلي للمشفى كان اليوم الأول برغم أنني كنت مستيقظ وأرى وأسمع وأتحدث, لكن ليس أنا من كان في جسدي ولا أعلم من يكون.. كنت حتماً خارج جسدي.. كان جسدي يأكل غذاءه ويشرب العصير والماء حسب تعليمات الممرضين الموَكَّلين بالإعتناء بي, كان واضحاً من حديث وتصرف الممرض أنه يتحدث إلى شخص وهو على دراية بأنه ليس بكامل وعيه.. فيقول لي تناول هذه الحبوب وإشرب هذا الفوار مع نصف كاسة ماء قبل الفطور.. ويضع الحبوب بفمي برفق ويذوب الفوار في الماء ويُشرِّبني إياه, ثم يُحضر الفطور ويشرح لي بأن هذا الدواء علي أخذه في منتصف الأكل.. وهذا الدواء الآخر بعد الأكل.. تناول فطورك وإضغط على هذا الزر الأحمر لأعرف أنك إنتهيت, وبعد أن أتناول الوجبة ودون أن أضفط على الزر الأحمر يطرق الباب ويدخل  ويساعدني في تناول الدواء, وعلى مدار اليوم يأتي ممرض كل ثلاث ساعات ليقيس ضغط دمي وحرارتي و ونسبة الأكسجين في جسدي وسرعة نبضاب قلبي ويضع على وجهي كمامات المُزَودة للأكسجين, في اليوم الأول كانت معي أمي.. وعند دخول الأطباء للغرفة هي من كان يأخذ بكلامهم.. أما أنا فجسد يتبع الأوامر فقط, جاء لغرفتي طبيب الباطنة وأخبرني أني مصاب بمرض طبيعي ويُعرف بفيروس المستشفيات وهو يحدث نتيجة البقاء في مستشفى لأكثر من يوم فيلتقط جسد المريض من المرضى الآخرين الموجودين في غرفة التنويم.. وقد حدث ذلك عندما نقلوني لمستشفى الحرس الوطني ونوموني لأبدأ علاج يطرد الجراثيم والبكتيريا من جسدي وينظفه من الجرعة الزائدة ليعتدل كل ما بداخله ويستقر, وكان على وجهي طيلة الأيام السبعة اللَّي المنتهي بكمامات الأكسجين لنقص الجسد منه أو اللَّي المنتهي بوصله خاصة للأنف والمزوّدة بأكسجين مركز لكي يبقى الجسد مستقر والإبرة التي توصل المحاليل والمغذيات للجسد عن طريق الوريد الذي يوصلها للقلب ليضخها لكافة أنحاء الجسد.

LIBS

أَوَآنُ..الآنْ...!!

اترك تعليقاً