المقدمة
إستيقظت في المشفى على سرير داخل غرفة بيضاء.. من حولي أطباء باللباس الأبيض وآخرين بالأزرق وآخرين بالأخضر من جميع الإتجاهات.. يتحدثون إليَّ بعبارة تتكرر "عبدالله هل تسمعني !؟" "عبدالله إفتح عينيك" كان يتكرر ذلك مع تسليط ضوء أبيض نوره عالي لكشاف كهربائي, وكنت أسمعهم يتحدثون إلى بعض لإحضار معدات طبية أو أدوات معينه.. يناقشون الحاله ليكون الجميع على بينة من الأمر, فأسمعهم يقولون "Overdose".. ففتحت عيني رغماً عني.. سألني الطبيب فورا..
الطبيب: كم حبه أخذت !!
أنا بلسان ثقيل: "Forty to sixty"..
الطبيب: كم علبة تناولت ؟
أنا: لا أعلم أربعه أعتقد..
كنت أسمعهم ولا أسمعهم في آن واحد.. وأراهم ولا أراهم.. كنت مستيقظ لكن لم أكن واعي بكامل قواي العقلية تحت تأثير ما تناولته.. ودون أن أشعر بأي ذرة حركة عدت مرة أخرى إلى نصف وعيي وهم ينقلونني بسيارة الإسعاف لمستشفى الحرس الوطني البعيدة, ويسير السائق بسرعة مزعجة تحرِّك كل ما بداخل جسدي من جوارح وأنا ألعن الطريق الخرب غير المستوي وأقول للممرض الذي يجلس بجانبي أخبر السائق أن يخفف السرعة.. فأجاب لن نصل في الوقت المناسب إن لم يقود بسرعة.. لم أستطع إلا أن أصمت وأوقف السباب وأرضى بإهتزازات السيارة التي لا تطاق الناتجه من الطريق المهمل كما صمتُّ سبعة وعشرون عام ورضيت بكل شئ في حياتي غير مرضي على الإطلاق.
ودون شعوري بالوجود.. وكأن الحياة حينها عبارة عن نَقلات زمنية, فكنت في مستشفى "المشفى" القريبة من سكني.. ثم في سيارة الإسعاف.. ثم في مستشفى "الحرس الوطني" ثم في المشفى مرة أخرى, لقد كانت تسير الحياة بشكل طبيعي تماماً.. لكن لأني في تغيب جزئي عن الوعي كان يمر الوقت بالنسبة لي تماماً كخرافات حقيقية.