بدايةً حديثي عن الأجيال السابقة في العصر السابق ليس البعيد.. كانت ثقافة الآباء والأمهات منحصرة داخل إطار إنشاء أُسرة قائمة أساساتها على كامل الإنسانية إبتداءاً من الخلق الحسن وإنتهاءا بالمكانة, كانت ثقافة الأهالي موروثها يغلب مواكبتها للعصر, ربما كان فيها شئٌ من الجهل الكثير أو القليل لكن لم يكن هناك ما يورث شعور القلق والخوف والشك.. حيث أن حذر الأبناء كان مطلق الفطريَّة فمن تلقاء ذاتهم يعرفون الصواب والخطأ وما عليهم الإلتزام به وكانت جميع الأسس والقواعد والمبادئ صحيحة وقويَّة لا يمكن إنكار هيبتها الشاخصة ولا يخرج عن مسارها أجهل مخطئ, كانت أغلب الأسر تسلك هذا المسار بقناعات مطلقة, لم يكن هناك ما يشغل الفكر عن أهميَّة الرضى لجميع الأطراف.
بينما في عصرنا الأغبر هذا بعد ثورة الحضارة وتحت ظلِّها إنشغل الآباء بركضهم خلف المعطيات التي توصل لها علم كل المجالات وأطلقوا سراح مسؤولياتهم المفروضة لهذه الحضارة واضعين نصب أعينهم بثقة أنهم ينشئون جيلاً واعد, والحضارة يقف الحكم عليها بإستخدامنا لها, وللأسف الفئة الغالبة كان إستخدامهم خاطئ.. ليس هذا فحسب بل ظهرت فئات تترك بقايا آثار الفساد في كل زاوية, وبدلاً من أن تكون الإنسانيَّة والكمال البشري هدف البقاء أصبح شعار الجيل "لا يهم كيف ولماذا ومتى فالسعادة أهم" لا يعلمون بأن ليس في الدنيا معنى للسعادة, وبدأت شيئاً فشيئاً تنهدم المعاني الكلاسيكيَّة لكل شئ من ما مضى.
أصبح كل أب وأم وكل شاب وشابة بل حتى كل طفل وطفلة مسؤول عن نفسه إختلفت وإختلطت الآراء والمفاهيم لكل التعاريف الصحيحة وغير الصحيحة, فكل شخصيَّة تأمَّلت وفكَّرت ثمَّ جربَّت وفعلت دون مراقبة وبعد ذلك تريد أن تفرض رأيها على الملئ بإعتقادها أنها الأصح والأمثل والأضمن للعيش مع الذات بسلام, وإتَّبع الإنسان هوى النفس عندما وجد نفسه متحرِّرة من أي مسؤوليَّة وهو في سن لا يفقه فيه في الدنيا إلا القليل المنحصر داخل إطار حياته.. والتي يعتقد أنها كافية لأن يقول بأنه أعلم من رجل الدين في الدين ومن المعلم في كل العلوم, كان ذلك نتاج تسُّب أولياء الأمور لإنجرافهم مع تيار المصلحة الشخصيَّة. ومنطقيَّاً بلا مبالاة أولياء الإمور قلَّت جميع عناصر بناء أسرة سويَّة إبتداءاً بعنصر الإهتمام إلى عناصر دوافع إقتراف الذنوب وكما يُقال "من أمِن العقوبة أساء الأدب" ناهيك عن ما جرَّ ذلك إبتداءاً بالمصائب وإنتهاءاً بالمؤامرات العالميَّة.