إضطراب…!!

.

932

.

من الأساس ذاكرتني أصبحت تالفة.. ليس كليَّاً لكن بشكل كبير, أعني أنه لا يمكنني الآن أن أقول كلمة "كان".. لأن الأمر قد يكون قد حدث قبل سنوات وأقول أنه حدث الشهر الماضي.. وقد يكون حدث الشهر الماضي وأقول أنه "كان" قبل أكثر من عشر سنوات…!!

على أية حال.. جاء يوم في حياتي وفكرت بإنحداري لشفير هاوية القاع.. ففكرت ماذا قرأت تلك الفترة.. وبصراحة كان إختياري يميل دائماً للعناوين المأساويَّة.. البؤساء – آيات شيطانيَّة – مخرج –  سجين بالميلاد – أهوال يوم القيامة – التائه – تلك العتمه الباهرة – عقل غير هادئ – ثمانون عام في إنتظار الموت –  العبقري البسيط..

.

0

.

فتعمقت أكثر بالتفكير لماذا كانت هذه إختياراتي العفويّة !! وجدت أن إختياري كان لا يقع إلا على عناوين تمثل شيئاً من حياتي أو حيّزاً واسع من نطاق تفكيري, ربما الصورة التي أدليت بها في مقدمة هذه التدوينة لا تروق البعض.. لكن أيها "البعض" دعني أسألك سؤالاً لربما يوضح لماذا إخترتها.. 

صف لي شعورك لو تغرّبت عن وطنك.. مجتمعك.. أهلك.. منزلك لمدة تزيد عن عشر سنات وبعد ذلك رأيت صورة لهم حديثة يعبرون فيها عن شوقهم لك بإبتسامة !؟

شعورك بالإنتماء في جميع المجالات مطلب أساسي, إبتداءاً بعائلتك وإنتهائاً بدينك.

.

0

.

أعلم بأن مسار تفكيري ليس طبيعياً.. والدليل أنني أتناول في اليوم خمس علاجات خاصة بالتفكير غير الطبيعي.. لكنني متأكد بأن مسار تفكيري طبيعي.. والدليل أنني لا زلت على قيد الحياة…!!

أكثر أناس يمكنني مخاطبتهم وأثق برأيهم.. أبيأميأخي الأكبر والذي يكبرني بسنة ~

ما يجعلني أأخذ تفكير أبي بعين الإعتبار.. أنه حيادي.. فليس هو المعارض ولا المؤيد.. فلا يشعرك بأنك على خطأ ولا على صواب, وذلك يفسح لي طريق إعادة التفكير دائماً.

أما أخي الذي يكبرني بسنة متزوج وزوجته حبلى.. وذلك لا يسمح لي بالحكم عليه لأي تصرف منه بل حتى يجبرني على أن أعذره كيفما تصرف في كل شئ في حياته الشخصيَّة.

وأخي الأكبر دائما صاحب رأي جامح.. منحازاً دائما للرأي الصائب, مهما كانت الظروف,

بالرغم من أنني لا أوافق شخصيَّة أمي إلا أنني لا أستطيع التغاضي عن الإستماع لرأيها.

.

0

.

قال لي أخي الأكبر قبل وقت قصير جداً.. وما يجعلني متأكد أنه وقت قصير جداً أنني لا زلت أتذكر كلامه جيداً, قال بأني أنا من يختار مصيري وبأن كل ما علي هو إختيار مصير أكثر منطقية إن كنت غير متأقلم مع الوضع المتأزَّم الذي أعاني منه كما يرى الجميع.. ربما لا أرى ذلك أو أراه وأنصاغ عنه إختياراً بحسب وجهة نظره الخصية..

قادني حديثه للسفر عنر"الفضاء الحُر" إلى جبل لونه ليس ناري ولا جليدي خيب ظنِّي لأنني كنت أعتقد بأني تجوَّلت كل الأرجاء.. قمته تتجاوز حدود رؤيتي فلا أراها..  بأسفله لوحة من الخشب الأبيض مكتوب عليها "كل الطُرُق" بلون أحمر.. وكأنه وادي مقدَّس…!! علمت حينها بأنني وصلت إلى طريق.

.

لست متأكد من منظور الزاوية التي تنظر إلي من خلالها أمي.. لكني أسمع أصداء جوارحي جهراً تبوح بأن كل ما تراه أمي وكل ما تعكسه ملامحي أنني ساخط.. ندمان.. تعيس.. حزين.. مغبون.. بائس.. يائس.. متكدر.. ضانِك.. متشائم.. وغير راضٍ مطلقاً عن أي شي وحانقاً على الحياة…!!

لكن كيف ذلك وأنا ذاك الشخص العظيم الذي لا تخفى عليه أسرار الإستمرارية !! سألتها حينها لكي تتضَّح لي الصورة فتعلت مؤخراً (أعتقد قبل سنتين على المدى البعيد إن بعد, وسنة إن قصر).. كيف أعيش !؟ لماذا أعيش وما الهدف !؟ متى أعيش !؟

على قدر ما كنت متأكد بأن ما ستجيبني به مألوفاً وسمعته كثيراً ومن جميع من يعرفني إلا أن من جوابها تجلَّت لي زاوية لم أرى الحياة من خلالها قط.. لأنني كنت أعتقد بأن تلك الفكرة عقيمة بشكل عام وشخصيتي لا تقبل إلا أن أكون فدَّاً عن القوم وصاحب فكر مصقول وشخصية لامعة…!!

فأجابت برد مفاده: عش بقثدراتك الآن ولا تتجاوز حدود طاقتك أبداً.. وليس بالضرورة أن يكون لديك هدف يخرجك عن أي حدود للوصول إليه.. أما متى تعيش, فعِشْ اليوم فقط.

.

فقط.. قررت حينها أن علي إتخاذ قرار يحدث الفرق الجذري الذي سيُحدث تغيرات جذريَّة في حياتي..

أول ما خطر ببالي أن أختار عنوان كلاسيكي الفكر لحياتي ألتزم به, فإخترت أن يكون أولاً "أوان.. الآن…!!"

وشعرت بأنه عنوان يعبر بكل ما تعنيه الكلمة عن رغبتي في كيفية أن أعيش اللحظة التي أنا فيها عبارة عن مادَّة.. أو لا أعلم إلى ماذا توصل العلم حتى هذه اللحظة.. فآخر ما قرأت عن التعريف العلمي للإنسان أنه موجات كهربائية.. ورأي آخر يقول بأن الإنسان هو نَفْسْ.. على أية حال بوجهة نظري أن الإنسان كيان حر.

.

0

.

أما أبي.. فكالعادة.. يقحم الدين في كل إجابة.. وبنسبة كبيرة أوافقه الفكر.. وأعتقد بأن الدين جزء أساسي لا يتجزَّأ من الوجود برمته..

وتروقني إجاباته لأن عنوانها المنطق.. بالأمثلة والإثباتات والبراهين.. فلا داعي لأن أجهد نفسي في التبحر في معاني إجاباته.

.

0

.

أما أخي الكبير.. فأرسلت له رسالة نصيَّة عبر الجوال أسأله:

"هل هذا يعني أنا إخترت أن أكون معاق !؟ هل كلامك يعني أني إخترت أن يكون الإكتئاب رفيقي !؟ 

نوعاً ما ذلك غير منطقي…!!"

فأجابني بأنه سيشرح لي ما كان يقصده في وقت لاحق, ولم أجد كلمة أو عبارة تعبر عن إنتظاري لذلك الوقت الاحق.. وإنتظرت عودته من سفره.. وعندما عاد سألته بشغف عن ما كان يقصده.. لأنني حين غيابه فكرت بجنون في مقصده لكن لم أجد جواب يقنعني بأي شكل من الأشكال..

فكان جوابه لا يمكنني إختصار معناه في تدوينه, لكن شئٌ من المعنى أن فطرة الإنسان أعدل مقياس للحكم الشخص على نفسه !!

نقطة:

القرار في نهاية المطاف قراري أنا على ما أنا عليه الآن, ومهما كان ذلك القرار جميع الناس ستوافقني عليه.. لأنني إخترته بنفسي على نفسي ونتيجته تنعكس علي أنا.. لن يشاركني خسارتي أحد ولن يشاركني إنتصاري أحد !! فبالتأكيد سيوافقون على قرار لن يضيف لهم شئ ولن يُنقص من رصيدهم شئ, وكلما زاد إصراري على قراري ستزداد موافقتهم على رأيي لأنني نوعاً ما متعصِّب له.

نقطة:

إذا كنت أنا مقتنع بفكرة لا أستطيع إقناعك بها فكي تحتاج مراجعة لأن إحتمالية أن تكون الفكرة خاطئة أكبر من أن تكون صائبة, فما بالك لو لم أستطع إقناع شخص واحد بها !!

نقطة:

أبسط إختبار لمعرفة ما إن كنت على خطأ أو صواب.. هو أن تسأل نفسك السؤال: هل أنت راضي على وضعك لو بقي على حاله ستون سنة !؟, مع الأخذ بعين الإعتبار متغيرات الحياة ومعطياتها المتوقعة.

ستجد إجابه لا يمكنك إنكارها لأنها إجابتك أنت.. لو لم تقتنع بالإجابة فعليك إعادت حساباتك لأن عدم إقتناعك جزءيَّاً بفكرة أنت مقتنع بها بحد ذاته إضطراب لن يعكس عليك يوماً الشعور بالإستقرار الذي يؤدِّي للراحة.

نقطة:

من يستحق تاج الراحة هو الذي يعيش اليوم دون أن يتعدى حدوده.. لكنه فرغ مسبقاً من رسم خطَّة غداً التي لن يعيشها اليوم.

الدرس الأعظم:

الإنجاز هو أن أحاول على قدر إستطاعتي أن أحقق مرادي دون أن أزيد على قدرتي مقدار شعرة لأن ذلك سيفسد الأمر برمته, إذا تحقق الهدف المنشود كان ذلك مبتغاي من البداية, وإن لم أحقق شئ أو مؤشر الحالة هبط وأعلن خسارتي وفشل المحاولة فأكبر خسارة في حياتي أن أكرر المحاولة بنفس الطريقة لأن المعطيات ستكون سلبية وقد جرَّبت ذات المحاولة سابقاً.

فالصواب أن أدرس المحاولة دون تكلُّف.. عنوانها.. خطواتها.. هدفها..

ولو حاولت وفشلت المحاولة لا أهمل خسارتي.. بل أفكر في أسبابها وأعزم على القيام بالمحاولة مرة أخرى بطريقة جوهرية أكثر خالية من خطوات المحاولة التي فشلت ولم أفلح ولم توصلني للهدف المنشود, وأبدأ برسم طريقة ليس حتى بين طياتها شئُ من المحاولة التي فشلت في أداءها.

LIBS

أَوَآنُ..الآنْ...!!

اترك تعليقاً